لا أحمد شوقي لما كان عبد الوهاب.. أو على الأقل لما حقق موسيقار الأجيال الراحل كل هذا التراث الخالد من الألحان.
ورغم أن أمير الشعراء اعترض في البداية حين رأى عبد الوهاب يغنى في السرادقات صبياً، فإنه تبناه واحتضن موهبته وعلمه كيف يصقلها بالدراسة والثقافة.
وهو الذي عرّفه على علية القوم وكبار الشعراء والأدباء، وذهب به إلى باريس ليشاهد المتاحف، ويتعلم من «الكونسير» ويتدرب على ألوان أخرى من الموسيقى لم نكن نعرفها في الشرق.
ولذلك أصبح عبد الوهاب المجدد الثاني للموسيقى العربية بعد سيد درويش، ومعهما آل الرحبانى في لبنان.
ولولا الثقافة والسفر وسعة الاطلاع وتدريب الأذن على الاستماع، لظل الفتى العربي أسيراً للطقطوقة والموشح والموال.
عبد الوهاب كان مؤسسة كاملة، وأم كلثوم أيضاً.. هي الأخرى أحاطت نفسها بكوكبة من الشعراء والأدباء والمثقفين ورجال الفكر والسياسة.. وتعلمت على يد أستاذها ومبدع أجمل أغنياتها شاعر الشباب أحمد رامي، ألف باء الحياة الراقية ومبادئ الشعر والأدب والفن، ولولا هذه الثقافة الفنية الواسعة التي تشربتها كوكب الشرق كالإسفنجة، لماّ أحسنت الاختيار، ولماّ قدمت لنا هذه الكنوز الغنائية التي كنا وسنظل نباهى بها الأمم.
وعبد الحليم هو الآخر كان موسوعة متنقلة، وكان بذكائه وخفة ظله ونجوميته وإشعاعه الإنساني الفطري عامل جذب لصداقات مجموعة من أنجب وأذكى وأصفى من أنجبتهم مصر، من صلاح عبد الصبور وحتى صلاح جاهين، ومن كمال الطويل وحتى محمود عوض وصلاح الدين حافظ، وغيرهم من الموهوبين الحقيقيين.
عبد الحليم كان يعلم هو الآخر أن الموهبة بدون ثقافة فنية وسياسية وشبكة علاقات وحواريين لا تعيش طويلاً، وقد تذوى وتتوه، كما تاهت آلاف المواهب، لأنها لم تجد من يحيطها بالرعاية والتوجيه والاهتمام.
فأين هذه الثقافة من فناني الأجيال الجديدة؟! .. وهل لو كانت لدى مواهب غنائية حقيقية مثل على الحجار ومدحت صالح ومحمد الحلو ثقافة الانتقاء والاختيار، كنا سنصل إلى هذه الحالة من الصخب والسطحية و «التهريج»؟ .. هل لدى أنغام أو أصالة أو شيرين عبد الوهاب أو غادة رجب ثقافة فنية أو غير فنية؟ .. وهل يحيطون أنفسهم سوى بمجموعة من «آلاتية» ومرتزقة ومنتفعين، لا يرون في الفن سوى أنه «سبوبة» أو «أنجرفتة» يجلب الملايين ويحقق الشهرة بلا تعب.
وقد تقول لى.. وأين شوقي والعقاد وطه حسين؟! .. وأقول لك استمع إلى أي حوار مع نجم أو نجمة مصرية شابة.. واستمع إلى هند صبري أو درة التونسية وهى تتحدث وأنت تعرف الفرق.
الأولى هي (الأولى) على تونس في دراسة القانون، والثانية حصلت على ماجستير في العلوم السياسية في فرنسا قبل أن تدخل مجال التمثيل.
وهل لو كانت حنان ترك قد تعلمت تعليماً حقيقياً، وحصلت على أي قدر من الثقافة.. هل كان من الممكن لو حدث لها هذا أن تقع في كل هذه الحالات من الارتباك الفكري والتناقضي؟
هل منة شلبي أو سمية الخشاب أو ياسمين عبد العزيز وكلهن معجونات بالموهبة والجاذبية.. لكن هل هن مثقفات؟
وهل لو كان محمد هنيدي أو محمد سعد في ثقافة محمد صبحي، وهما لا يقلان عنه موهبة، كان من الممكن أن يقدما هذا الهراء المسمى بالسينما الكوميدية في أفلامهما الأخيرة؟.
والثقافة بالمناسبة ليست مجرد القراءة أو حشو الأدمغة بالكتب وشوية مصطلحات لزوم «التنطيط» والفشخرة.. الثقافة أسلوب تفكير وأسلوب حياة وقدرة على الاختيار.. فهل عرفت أهمية أن تتثقف يا فنان؟!